الانتخابات الفلسطينية ... الحافة الحرجة واللعبة الخطرة
محمد صالح الشنطي
تردّدت كثيرا قبل أن أكتب هذه الكلمات لأنني أدرك أن ما نلمسه بحواسنا الخمس ليس هو الواقع ؛ بل هو رأس جبل الجليد العائم الذي يخفي أسراراً مذخورة و كمائن و ألغاماً مرصودة ، لست محللاً سياسياَ و لا من المشتغلين بالسياسة ، و لكنني أدرك كم هي خطرة هذه المرحلة ، الديمقراطية ممارسة لها ثقافتها ومقوماتها وأدواتها ومناخاتها ؛ ليست مجرد مرشحين وناخبين و صناديق اقتراع ، وكل ماهو متوفر وظاهر و مستتر يتنافى مع أصول الديمقراطية ، فالشعب الفلسطيني الموزّع في الداخل ما بين غزة و الضفة وفي كانتونات تتحكّم في مداخلها و مخارجها المحاسيم الإسرائيلية وفخاخ حواجزها القاهرة و كاميراتها وعيونها المسلّطة على تفاصيل الحياة و وجيب القلوب و هواجس الصدور تحصي الأنفاس و تعدّ النبضات ، والبلدوزرات إلإعلامية تطحن الحقائق وتدوسها بأقدامها و المال السياسي بمصادره المتعددة و المتكاثرة و المتربّصة لا تطهرها من جنابة الخيانة كل مياه الأرض ، والمهادنات المخاتلة و المصالحات التلفزيونية و البيانات التي تصاغ عباراتها في أقبية مراكز القوى و تجّار الدم ومقاولو المقاومة تخفي في طياتها أجندات تمت برمجتها في الغرف المغلقة وفي العواصم البعيدة و القواصم القاتلة ونشاطات الشلل المرتبطة بشبكات من المصالح تنتشر في كل مكان ، رائحتها تزكم الأنوف ، وكتبة الشيطان الذين يملؤون أقلامهم بالحبر الأسود ينتشرون كالذباب والقطط المنتشرة تملأ الأنحاء و الأرجاء ينبشون النفايات و يفتشون في رميم التاريخ ، وبلا مزيد من التفاصيل فالأجواء غير مريحة ، و إذا كان لابد من مزيد من الإيضاح فلننظر إلى من هم من عظام الرقبة في منظمة التحرير : بعض فصائل اليسار التي تتمترس حول أيديولوجيا حربائية متلوّنة تغير ولاءاتها وفق مصالحها ، تخفي غير ما تبطن و تمارس حراكا سريا محرّما كالزوج أو الزوجة اللعوب ؛ تزعم الانتماء ، ألسنتها معكم وسيوفها بيد أعدائكم وقلوبها مع عواصم متنائية و مضارب متباعدة ، أما بعض (احترازا) فصائل الإسلام السياسي فولاءاتها معروفة و مرجعياتها معلومة و استراتجياتها مفضوحة ، يمدون أيديهم للمصالحة و أيديهم مشغولة في فبركة الفيديوهات و نبش الأضرحة و التغطية على فضائح تزكم الأنوف و تقرّح الأكباد : اختراقات من الأعداء حتى العظم طالت أدق الأسرار و تسللت إلى عمق الأعماق جرت تغطيتها بسرعة خشية انكشاف الأوراق و انحسار الأغطية فتنزاح ورقة التوت وتتكشف العورات ، وحمى التصريحات انتشرت كالوباء سيوفا مشرعة و قنابل موقوتة وتصويبات مسددة ، تجييش لأسوأ ما في الجعبة وخداع يلامس النخاع وترويج لأراجيف كما يفعل بعضهم في ملف الغاز قلبوا العمل الصالح عيبا و مذمّة ، ثمة أيدٍ من وراء الحدود تعبث و أخرى في داخل الحدود تعمل على تدمير المعبد على ما فيه و من فيه .
أما داخل الحركة الوطنية فثمة من لم يحلُ لهم النقد و الانتقاد و ممارسة ديمقراطية مغرضة حاقدة إلا في هذا الوقت ، فبعض من هم من عظام الرقبة قيادات مأزومة تنشر الغسيل بملاقط مشبوهة تسدي النصائح بسخاء ، وهي تعلم أنها في هذا الوقت مما يفتّ في عضد الحركة الوطنية ويسيء إلى شعبيتها و كأنهم يصرخون لا تنتخبوا فتح (أخاف على فتح من فتح) لماذا لا تقول هذا و أنت قائد في اجتماعات تنظيمية ماذا يراد بنشر هذه الانتقادات على عامة الناس الذين لا يملكون حلّا و لاعقدا ، وكما قال شوقي :
آفة النصح أن يكون جدالا و أذاه أن يكون جهارا
و البعض انتهز الفرصة ليبتزّ و يطرح مطالبه ليضغط مستغلّا هذه الفرصة الثمينة ـ و البعض الأخراستثمر السياسة الأمريكية الجديدة فوجدها فرصة لينفّس عن عزلته و يستر على فضائحة و كان يتبوأ أرفع المراكز ؛ و لكنه ضُبط بالجرم المشهود فعزل بعد أن غازل و مالأ فجاء من يستفتيه من القوي المتنفّذة في شؤون العالم فماذا نتوقع من فتوى متهمٍ في القفص أسير عزلةَ وجدها فرصة لكي ينهش في عرض من افتضح أمره على أيديهم ، و آخر كنا نظنّه نقيا فهو من الخيرة المصطفاة والاتقياء الأنقياء من عترة راحل شهيد و إذا به يغتنم أول فرصة ليثأر ممن لم يلبوا طموحاته ، و آخر و آخر و أخر .
ماذا ننتظر من انتخابات تعقد في أسوأ الظروف عربيا و إقليميا و قد ضُلّل التاخبون وامتلأ المسرح بالممثلين ، ثمة من يتصرف و كأنه في دولة موطّدة الأركان شامخة البنيان ، نسي أننا في مرحلة تحرر وطني ، البناء الوطني فيه مهدّد بزلزال تخور معه قواه في أول ضربة قاتلة إذا لم تحرسه الأفئدة و العيون و القلوب قبل البنادق و الصواريخ .
انتبهوا يا أبناء فلسطين فالمرحلة صعبة و الخطر جسيم